يقول ابن قيم الجوزية متأملا العلاقة بين عبد عاصي بعيد عن ربه و خالقه الرحمن الرحيم :
دعاه إلى بابه فما وقف عليه و لا طرقه ثم فتحه له فما عرج عليه ولا ولجه أرسل إليه رسوله يدعوه إلى دار كرامته فعصى الرسول وقال: لا أبيع ناجزا بغائب ونقدا بنسيئة ولا أترك ما أراه لشيء سمعت به ويقول:
خذ ما رأيت ودع شيئا سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل فإن وافق حظه طاعة الرسول أطاعه لنيل حظه لا لرضى مرسله لم يزل يتمقت إليه بمعاصيه حتى أعرض عنه وأغلق الباب في وجهه.
ومع هذا فلم يؤيسه من رحمته بل قال: “متى جئتني قبلتك إن أتيتني ليلا قبلتك وإن أتيتني نهارا قبلتك وإن تقربت مني شبرا تقربت منك ذراعا وإن تقربت مني ذراعا تقربت منك باعا وإن مشيت إلى هرولت إليك ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ومن أعظم مني جودا وكرما”.
عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلؤهم على فرشهم إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل وشرهم إلى صاعد أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ.
من أقبل إلي تلقيته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد.
أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا إلي فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب.
ومن آثرني على سواي آثرته على سواه الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والسيئة عندي بواحدة فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له.
أشكر اليسير من العمل وأغفر الكثير من الزلل رحمتي سبقت غضبي وحلمي سبق مؤاخذتي وعفوي سبق عقوبتي أنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها “لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض مهلكة دوية عليها طعامه وشرابه فطلبها حتى إذا أيس من حصولها نام في أصل شجرة ينتظر الموت فاستيقظ فإذا هي على رأسه قد تعلق خطامها بالشجرة فالله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته”.
وهذه فرحة إحسان وبر ولطف لا فرحة محتاج إلى توبة عبده منتفع بها وكذلك موالاته لعبده إحسانا إليه ومحبة له وبرا به لا يتكثر به من قلة ولا يتعزز به من ذلة ولا ينتصر به من غلبة ولا يعده لنائبة ولا يستعين به في أمر 17:111 {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} فنفى أن يكون له ولي من الذل والله ولي الذين آمنوا وهم أولياؤه.
فهذا شأن الرب وشأن العبد وهم يقيمون أعذار أنفسهم ويحملون ذنوبهم على أقداره.
استأثر الله بالمحامد والمجد وولي الملامة الرجلا
وما أحسن قول القائل:
تطوي المراحل عن حبيبك دائبا وتظل تبكيه بدمع ساجم
كذبتك نفسك لست من أحبابه تشكو البعاد وأنت عين الظالم
مدارج السالكين ج 1 ص 195