من موجبات التوبة الصحيحة أيضا: كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء ولا تكون لغير المذنب لا تحصل بجوع ولا رياضة ولا حب مجرد وإنما
هي أمر وراء هذا كله تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة قد أحاطت به من جميع جهاته وألقته بين يدي ربه طريحا ذليلا خاشعا كحال عبد جان آبق من سيده فأخذ فأحضر بين يديه ولم يجد من ينجيه من سطوته ولم يجد منه بدا ولا عنه غناء ولا منه مهربا وعلم أن حياته وسعادته وفلاحه ونجاحه في رضاه عنه وقد علم إحاطة سيده بتفاصيل جناياته هذا مع حبه لسيده وشدة حاجته إليه وعلمه بضعفه وعجزه وقوة سيده وذله وعز سيده.فيجتمع من هذه الأحوال كسرة وذلة وخضوع ما أنفعها للعبد وما أجدى عائدتها عليه وما أعظم جبره بها وما أقر به بها من سيده فليس شيء أحب إلى سيده من هذه الكسرة والخضوع والتذلل والإخبات والإنطراح بين يديه والإستسلام له فلله ما أحلى قوله في هذه الحال: “أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني أسألك بقوتك وضعفي وبغناك عني وفقري إليك هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه وذل لك قلبه”.
يامن ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره .
مدارج السالكين ج 1 – ابن قيم الجوزية ص -187-