يلخص ابن قيم الجوزية كيف ان الفاتحة لها طاقة شفائية عالية و ذبذبات لا يعلم اسرارها الا من جربها و
يتحدث عن تجربته الشخصية لما كان في مكة شرفها الله . افخر بشيخي ابن القيم الذي تحدث عن علوم الطاقة الاسلامية و قد نحتاج من يغبر سور هذا الفن و يظهره على السطح فتراثنا الاسلامي ملئ بهذه الكنوز الشرعية و العالم كله الان يحتاج اليه بدلا من بعض علوم الطاقة و التي تحتوي على شركيات و مخالفات شرعية. و اتركك من ابن قيم الجوزية الذي واصل كلامه عن الفاتحة فقال :
وأما تضمنها لشفاء للأبدان: فنذكر منه ما جاءت به السنة وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة.
فأما ما دلت عليه السنة: ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري “أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب فلم يقروهم ولم يضيفوهم فلدغ سيد الحي فأتوهم فقالوا هل عندكم من رقية أو هل فيكم من راق فقالوا نعم ولكنكم لم تقرونا فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم على ذلك قطيعا من الغنم فجعل رجل منا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب فقام كأن لم يكن به قلبة فقلنا لا تعجلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأتيناه فذكرنا له ذلك فقال ما يدريك أنها رقية؟ كلوا واضربوا لي معكم بسهم”.
فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه مالم يبلغه الدواء.
هذا مع كون المحل غير قابل إما لكون هؤلاء الحي غير مسلمين أو أهل بخل ولؤم فكيف إذا كان المحل قابلا.
وأما شهادة قواعد الطب بذلك: فاعلم أن اللدغة تكون من ذوات الحمات والسموم وهي ذوات الأنفس الخبيثة التي تتكيف بكيفية غضبية تثير فيها سمية نارية يحصل بها اللدغ وهي متفاوتة بحسب تفاوت خبث تلك النفوس وقوتها وكيفيتها فإذا تكيفت أنفسها الخبيثة بتلك الكيفية الغضبية أحدث لها ذلك طبيعة سمية تجد راحة ولذة في إلقائها إلى المحل القابل كما يجد الشرير من الناس راحة ولذة في إيصال شره إلى من يوصله إليه وكثير من الناس لا يهنأ له عيش في يوم لا يؤذي فيه أحدا من بني جنسه ويجد في نفسه تأذيا بحمل تلك السمية والشر الذي فيه حتى يفرغه في غيره فيبرد عند ذلك أنينه وتسكن نفسه ويصيبه في ذلك نظير ما يصيب من اشتدت شهوته إلى الجماع فيسوء خلقه وتثقل نفسه حتى يقضي وطره هذا في قوة الشهوة وذاك في قوة الغضب.
وقد أقام الله تعالى بحكمته السلطان وازعا لهذه النفوس الغضبية فلولا هو لفسدت الأرض وخرجت 2:251 {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} وأباح الله بلطفه ورحمته لهذه النفوس من الأزواج وملك اليمين ما يكسر حدتها.
والمقصود: أن هذه النفوس الغضبية إذا اتصلت بالمحل القابل أثرت فيه ومنها ما يؤثر في المحل بمجرد مقابلته له وإن لم يمسه فمنها ما يطمس البصر ويسقط الحبل.
ومن هذا نظر العائن فإنه إذا وقع بصره على المعين حدثت في نفسه كيفية سمية أثرت في المعين بحسب عدم استعداده وكونه أعزل من السلاح وبحسب قوة تلك النفس وكثير من هذه النفوس يؤثر في المعين إذا وصف له فتتكيف نفسه وتقابله على البعد فيتأثر به ومنكر هذا ليس معدودا من بني آدم إلا بالصورة- والشكل فإذا قابلت النفس الزكية العلوية الشريفة التي فيها غضب وحمية للحق هذه النفوس الخبيثة السمية وتكيفت بحقائق الفاتحة وأسرارها ومعانيها وما تضمنته من التوحيد والتوكل والثناء على الله وذكر أصول أسمائه الحسنى وذكر اسمه الذي ما ذكر على شر إلا أزاله ومحقه ولا على خير إلا نماه وزاده دفعت هذه النفس بما تكيفت به من ذلك أثر تلك النفس الخبيثة الشيطانية فحصل البرء فإن مبنى الشفاء والبرء على دفع الضد بضده وحفظ الشيء بمثله فالصحة تحفظ بالمثل والمرض يدفع بالضد أسباب ربطها بمسبباتها الحكيم العليم خلقا وأمرا ولا يتم هذا إلا بقوة من النفس الفاعلة وقبول من الطبيعة المنفعلة فلو لم تنفعل نفس الملدوغ لقبول الرقية ولم تقو نفس الراقي على التأثير لم يحصل البرء.
فهنا أمور ثلاثة: موافقة الدواء للداء وبذل الطبيب له وقبول طبيعة العليل فمتى تخلف واحد منها لم يحصل الشفاء وإذا اجتمعت حصل الشفاء ولا بد بإذن الله سبحانه وتعالى.
ومن عرف هذا كما ينبغي تبين له أسرار الرقي وميز بين النافع منها وغيره ورقى الداء بما يناسبه من الرقي وتبين له أن الرقية براقيها وقبول المحل كما أن السيف بضاربه مع قبول المحل للقطع وهذه إشارة مطلعة على ما وراءها لمن دق نظره وحسن تأمله والله أعلم.
وأما شهادة التجارب بذلك: فهي أكثر من أن تذكر وذلك في كل زمان وقد جربت أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أمورا عجيبة ولا سيما مدة المقام بمكة فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط جربت ذلك مرارا عديدة وكنت آخذ قدحا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مرارا فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين والله المستعان.
( مدارج السالكين الجزء 1 ص57-58 )