ربما يجهل معظم المسلمين اسمه، رغم أنه كان النواة الأولى لنشر دين الله في بريطانيا، فهو أول من اعتنق الإسلام في بلاده، ومن ثم كان أول داعية إسلامي في تلك البلاد، وبنى أول بيت من بيوت الله في مدينته.
ولد وليام كويليام في مدينة ليفربول سنة 1856م، لأبوين مسيحيين ثريين، كان والده يعمل في صناعة الساعات، درس القانون في معهد الملك ويليام العالي بجزيرة مان، وعمل في المحاماة، ليصبح من أشهر المحامين في بريطانيا.
على أبواب الهداية
في سنة 1882م ، غير القدر مجرى حياة المحامي المعروف، عندما سافر إلى جنوب فرنسا للابتعاد قليلا عن أجواء العمل المرهقة، والاستجمام على شواطئ المتوسط، ومن هناك قرر العبور إلى الجانب الآخر من البحر حيث المغرب،وأثناء وجوده على السفينة المتجهة إلى هناك رأى مسلمين يصلون على ظهر السفينة، فيقول عن ذلك: ” وما كادت السفينة تغادر الميناء، حتى رأيت هؤلاء الجماعة قد اصطفوا للصلاة في صفوف جميلة، وجعلوا يصلون معا بخشوع وطمأنينة، غير مكترثين بتمايل السفينة واضطراب الريح، ولقد أثر في نفسي ما قرأته على وجوههم من صدق الإيمان، فأثارت حالتهم هذه الاهتمام الزائد عندي، في أن أستزيد من المعلومات عن الدين الذي يدينون به”.
وهناك في المغرب، رأى بأم عينه تسامح المسلمين والتزامهم الأخلاقي والديني، ما ترك أثرا إيجابيا في نفسه، فقرر دراسة الدين الإسلامي بعقيدته وشريعته، فازداد تعلقه بالإسلام، ذلك الدين الذي وجد طريقه سريعا إلى قلب وليام، فهو ورغم كونه مسيحيا، إلا إنه لم يشرب الخمر في حياته قط، ولم يرتكب الموبقات التي يرتكبها أبناء دينه طول حياته، بحسب ما كان يقول لأصدقائه.
وفي سنة 1887م جاءت اللحظة الفارقة في حياة الرجل، وربما اللحظة الأهم في تاريخ الإسلام في بريطانيا، حيث أعلن كويليام إسلامه وهو في عمر 31 عاما، واختار لنفسه اسم عبد الله.
لكن كان عليه أن يدفع ضريبة إسلامه،
حيث فتعرض لضغوط كثيرة كان أولها طرده من منزله، وهو ما زاده إصرارا وإيمانا بأنه يسير على الطريق الصحيح، فبدأ يدعو الناس إلى دين الله، وأصدر صحيفتين إسلاميتين، وأسس دارا لرعاية الأيتام, وكذلك كلية إسلامية تعقد جلسات نقاش أسبوعية، حول الدين الإسلامي, تهدف إلى إقناع البريطانيين باعتناق هذا الدين، و كلل عبد الله جهوده لنشر الدين الإسلامي، ببناء مسجد في مدينة ليفربول، في شارع “وست ديربي رقم 8” وقد تم افتتاحه في 25 ديسمبر سنة 1889م, وبدلا من الاحتفال بافتتاحه, فقد تم إطعام 130 طفلا من فقراء المسلمين، ليصبح هذا المسجد أقدم مسجد يؤرّخ لوجوده في بريطانيا، وبينما كانت الصلوات تقام في قاعة المسجد، استخدم الشيخ عبد الله الغرفة المجاورة لتعليم الأطفال أهازيج عن دين الإسلام الذي اعتنقه.
هوان وتقدير
لكن المواقف التي انتهجتها بريطانيا الاستعمارية ضد الدول الإسلامية واحتلال الكثير منها، جعل عبد الله كويليام يعرب صراحة عن معارضته للحكومة، الأمر الذي جعله عرضة للكثير من الاعتداءات، حيث هدده البعض بحرقه حيا عام 1895م، وفي حادثة أخرى تجمع نحو 400 شخص، وقاموا بقذف المسجد ومصليه بالحجارة.
وفي مقابل هوانه على أهله وأبناء وطنه في بريطانيا، فإن التكريم الذي لاقاه الرجل في الكثير من بلاد الإسلام، جعله ينسى ما تعرض له، ويدرك أن الإسلام هو وطنه ودولته وأن المسلمين، وليس سواهم هم أبناء هذا الوطن، حيث كرمه السلطان عبد الحميد الثاني، آخر السلاطين العثمانيين ومنحه لقب” شيخ الإسلام في بريطانيا”، وكرمه شاه إيران ومنحه لقب سفير، وكذلك منحه سلطان أفغانستان مكافئة مالية قدرها 2.500 جنيه استرليني، لمساعدته على مواصلة أعماله الخيرة.
وفاته وأعماله
بعد رحلة طويلة من العطاء والبذل في سبيل الله خادما للإسلام داعيا إليه، انتقل عبد الله كويليام إلى جوار ربه في إنجلترا عام 1932، بعد أن غرس بذرة الإسلام وأسلم على يديه عشرات البريطانيين.
ترك كوليام خلفه كتابين أحدهما حول الدعوة الإسلامية واسمه”أحسن الأجوبة”، وكتابا آخر مهما صدر سنة 1889م ويحمل عنوان “العقيدة الإسلامية”، وترجم إلى 13 لغة مختلفة، ويروى أن الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا وقتها قرأته.
إعجاز القرآن
ومن بعض مقولاته في كتبه:-“هذا القرآن الذي هو كتاب حكمة، فمن أجال طرف اعتباره فيه وأمعن النظر في بدائع أساليبه، وما فيها من الإعجاز، رآه وقد مر عليه من الزمان ألف وثلاثمائة وعشرون سنة، كأنه مقول في هذا العصر، إذ هو مع سهولته بليغ ممتنع، ومع إيجازه مفيد للمرام بالتمام، وكما أنه كان يرى مطابقًا للكلام في زمن ظهوره لهجة وأسلوبًا، كذلك يرى موافقًا لأسلوب الكلام في كل زمن ولهجة، وكلما ترقّت صناعة الكتابة قدرت بلاغته وظهرت للعقول مزاياه. وبالجملة فإن فصاحته وبلاغته قد أعجزت مصاقع البلغاء وحيرت فصحاء الأولين والآخرين. وإذا عطفنا النظر إلى ما فيه من الأحكام، وما اشتمل عليه من الحكم الجليلة، نجده جامعًا لجميع ما يحتاجه البشر في حياته وكماله وتهذيب أخلاقه.. وكذا نراه ناهيًا عما ثبت بالتجارب العديدة خسرانه وقبحه من الأفعال ومساوئ الأخلاق.. وكم فيه ما عدا ذلك أيضًا ما يتعلق بسياسة المدن وعمارة الملك، وما يضمن للرعية الأمن والدعة من الأحكام الجليلة التي ظهرت منافعها العظيمة بالفعل والتجربة فضلاً عن القول..” .( العقيدة الإسلامية، ص ، ص 139 – 140).
وكتب أيضا يقول:” إن من ضمن محاسن القرآن العديدة أمرين واضحين جدًا أحدهما علامة الخشوع والوقار التي تشاهد دائمًا على المسلمين عندما يتكلمون عن المولى ويشيرون إليه.. والثاني خلوّه من القصص والخرافات وذكر العيوب والسيئات وإلى آخره، الأمر الذي يؤسف عليه كثيرًا لوقوعه بكثرة فيما يسميه المسيحيون (العهد القديم)” .( أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبة، ص 23 – 26).
فضل النبي صلى الله عليه و اله و سلم
كما يقول :” وما اهتدى مئات الملايين إلى الإسلام إلا ببركة محمد(صلى الله عليه وسلم) الذي علمهم الركوع والسجود لله، وأبقى لهم دستوراً لن يضلوا بعده أبداً، وهو القرآن الجامع لمصالح دنياهم ولخير أخراهم …” (العقيدة الإسلامية، ص38).
وكتب أيضا “كان محمد (صلى الله عليه وسلم) أعظم ما يكون من كريم الطباع، وشريف الأخلاق، ومنتهى الحياء، وشدة الإحساس .. وكان على خلق عظيم، وشيم ُمرضية، مطبوعاً على الإحسان.” (العقيدة الإسلامية، ص96-97).
الإسلام والرهبنة
وقال أيضا:” إن زعماء النصرانية أبدلوا دين المسيح عليه السلام بما كانت ترمي إليه أهواؤهم وأوجدوا عقائد أخرى من تلقاء ذاتهم وتظاهروا في مقاومه الشهوات البشرية بالرهبنة والعزوبية واتخذوهما ستارا للفسق ولأعمالهم التضليلية حتى ضل الناس وأشركوا بالواحد القهار واتخذوا لفيفا من هؤلاء القديسين والرهبان أربابا من دون الله فلما جاء الإسلام استأصل شأفة هذه الخزعبلات وقضى على جميع الأباطيل والترهات وأقيمت الحجة الثابتة على استهجان العزوبية واعتبار الزواج كدليل للتقوى الحقيقة وانه من أوليات القواعد الدينية إذ فيه بيان قدره الخالق ووحدانيته وجلاله فالإسلام هو الذي حض على الزواج وأبطل الرهبنة ” .
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.