كثيرة هي الجامعات في وقتنا الحالي، وكثيرون هم من يسعون إلى البحث عن أشهرها وأكثرها رواجاً بين الناس والدول، إلا أننا لو أمعنا النظر قليلا لوجدنا بأن خريجيها الذين كان لهم دور في إصلاح أنفسهم فضلا عن إصلاح مجتمعاتهم قلة قليلة لا يكاد يذكرهم أو يعرفهم إلا من يخالطهم بشكل يومي، إلا ان هناك بعض الناس المميزين الذين
كانت لهم نظرة مغايرة جدا لما يلهث وراءه نظراءهم كالدكتور نجيب عبد الله الرفاعي الذي سمعت منه ذات مرة بأن ” أفضل تلك الجامعات كلها هي جامعة ( الشــارع ) .. !! ” والتي من خلالها يمكن لأحدنا بأن يتعلم ما لم يتعلمه خريجي تلك الجامعات الشهيرة دون أيما تعب يذكر.
هذه الجامعة التي أشار إليها الدكتور تشبه إلى حد ما جامعتي الخاصة التي آثرت الالتحاق بها على كثير من الجامعات النموذجية، والتي سأبين لكم أحد دروسها التي استفدها منها والذي يعادل مقررات كاملة في تلكم الجامعات والذي لن يستوعبه طلبتها على المدار البعيد أبدا وهي جامعة كبار السن.
ففي أحد الأيام الشتوية الباردة دخل إلى ديوان أبي الذي يستقبل فيه جيرانه بعد صلاة الفجر يوميا أحد كبار السن والذي يعتبر من رواده وكان يكنى بأبي فاضل، إلا أنني ألاحظ أمرا غريبا في هذا الرجل، وهو مجيئه مبكرا دائما وتناوله فنجانا من القهوة أو اثنين والمضي على عجل، يغيب بعدها لمدة ساعة ثم يعود فيجلس مرة أخرى إلا الطمأنينة قد بدت ظاهرة على ملامحه بعد عودته، مما دفعني إلى أن اسأله عن سبب تصرفه هذا. فدار بيني وبينه هذا الحديث:
قلت: أبو فاضل. صبحك الله بالخير. ألاحظك يوميا تدخل إلى مجلسنا فتتناول فنجانا من القهوة أو اثنين والاستعجال يبدوا واضحا على حركاتك ثم تغيب ساعة فتعود مطمئنا. فما سر تصرفك هذا.
فرد علي مبتسما كعادته:
– إنني اذهب لأتناول وجبة الإفطار مع أم فاضل.
فقلت: وهل يضايقها تأخرك عليها ؟
فقال: أصلا هي لا تعرفني .. !!
فقلت متعجبا: وكيف لا تعرفك .. ؟
فقال: هي الآن ليست في المنزل، وإنما هي في مستشفى الأمراض العقلية .. !!
فقلت له: ما دامت هي لا تعرفك فلم تذهب إليها يوميا .. ؟
فرد علي ردا كان كالصاعقة التي أصابت رأسي من هول ما يحتويه من معان سامية نبيلة تعجز جامعات الغرب كلها عن إكسابها لمنتسبيها.
فقد قال: ” إن كانت هي لا تعرفني .. فأنا أعرفها .. !! ” .
هذه هي جامعتي التي ارتضيت لنفسي الانتساب إليها، وهذا أحد دروسها التي تعلمتها منها. فهلا بعثتم لي بأحد دروس جامعاتكم الخاصة ؟